وأما قوله: "ويكفى التخلية إلي المصدق فقط" فلا وجه لتخصيص ذلك بالمصدق فإن من قال بوجوب الايصال بوجبه إلي الامام وإلي من ينوب عنه وهم السعادة وإلي الفقير أيضا وسائر المصارف إذا اذن الامام لرب المال بالصرف اليهم ومن لم يقل بوجوبه كانت التخلية إلي الجميع كافية.
قوله: "ولا يقبل العامل هديتهم".
أقول: الاستدلال على هذا بحديث أبي حميد الساعدي في الصحيحين وغيرهما قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد يقال له: ابن اللتبية فلما قدم قال: هذا لكم وهذا اهدى الي فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمدالله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فاني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا ياخذ احدكم شيئا بغير حقه الا لقي الله تعالي بحمله يوم القيامة".
لا يصلح لمنع العامل من قبول الهدية وإنما هو إنكار عليه في تخصيص نفسه بشيء منها لآنها إنما اهديت له لكونه عاملا على الزكاة لا لشيء يرجع اليه نفسه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل ان هذا الحديث يستفاد منه عدم جواز اختصاص العامل بشيء مما يهدي اليه وأما عدم جواز قبوله للهدية فمأخوذ من ادلة اخرى غير هذا الحديث وقد قدمنا حديث: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول" ولا سيما إذا كان المقصود بها الرشوة له والتوصل بها إلي مسامحتهم في بعض ما يجب عليهم.
قوله: "ولا ينزل عليهم".
أقول: قد كان السعاة في زمن النبوة ينزلون عليهم إلي ديارهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أرباب الاموال بارضائهم والاحسان اليهم كما اشتملت على ذلك الاحاديث الكثيرة فلا وجه للمنع نعم إذا امتنع ارباب الاموال من ضيافتهم أو جأوزوا القدر الذي تكون فيه الضيافة أكلوا من الزكاة كما انها تكون عمالتهم منها.
قوله: "ولا يبتع أحد ما لم يعشر أو يخمس".
أقول: لقد قدمنا ان الزكاة واجبة من العين وانه لا يجوز العدول إلي الجنس الا مع عدم العين ولا يجوز العدول إلي القيمة الا مع عد الجنس فالقدر الذي لا يجوز بيعه هو الزكاة لا المال المزكى الذي لم يخرج زكاته فإنه لا بأس ببيعه حتى يبقى منه قدر الزكاة فإذا بقي منه قدرها حرم بيعها فلا وجه للمنع من بيع الكل.
وأما الفرق بين ما اخذه المصدق وغيره في رجوع المشترى على البائع فمن غرائب الراي التي لا ترجع إلي معقول ولا منقول.