أقول: هذا صحيح فلا يتعبد الإنسان بتحريم ما لم يعلم انه حرام ولا ظن انه حرام ولكن طريق الورع معروفة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل وان قيل صدقة لم يأكل [الترمذي "656"، النسائي "2613"] ، وبه الاسوة وفيه القدوة للناس خصوصا قرابته وأهل بيته.

قوله: "ولا يجزئ أحد فيمن عليه انفاق حال الاخراج".

أقول: الاصل الجواز ولا يحتاج المتمسك به إلي دليل بل الدليل على المانع ولا دليل فإن تبرع القائل بالجواز بإيراد الدليل على ذلك فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما حديث المرأتين اللتين سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم اتجزئ الصدقة عنهما على ازواجهما وعلى أيتام في حجرهما فقال: "لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة"، فالظاهر ان هذه الصدقة هي صدقة الفرض ولهذا أوقع السؤال عن الاجزاء اذ صدقة النفل على الرحم مجزئة وأيضا ترك الاستفصال منه صلى الله عليه وسلم يدل على انه لا فرق في هذا الحكم بين صدقة الفرض والنفل.

وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي سعيد انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لزينب امرأة عبد الله بن مسعود لما سألته عن الصدقة: "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم"، فعلى تسليم الاحتمال في هذا الحديث يكون ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم دليلا على انه لا فرق بين صدقة الفرض والنفل وهكذا ما أخرجه البخاري وغيره عن معن بن يزيد قال أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فقال والله ما إياك اردت فجئته فخاصمته إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما اخذت يا معن".

ولم يقع منه صلى الله عليه وسلم الاستفصال هل هي صدقة فرض أو نفل ويؤيد هذا ما ورد من الترغيب في الصدقة على ذوي الارحام كحديث أبي ايوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".

أخرجه أحمد ["5/416"] ، وأخرج مثله أيضا من حديث حكيم بن حزام.

وأخرج أحمد ["4/17، 18، 214"، والترمذي "658"] ، وحسنه وابن ماجه والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة"، وفي الباب عن أبي طلحة وأبي امامة ولفظ الصدقة يشمل صدقة الفرض كما يشمل صدقة النفل.

ولا يصلح لمعارضة هذا ما روى عن بعض الصحابة اجتهادا منه وأما دعوى من ادعى الاجماع على منع صرف الزكاة في الاصول والفصول فتلك احدى الدعأوي التي لا صحة لها والمخالف موجود والدليل قائم.

وأما قوله: "ويجوز لهم من غيره" فلا حاجة اليه لان الجواز معلوم وهم لا يغنون بغناه وهكذا قوله: "وفي عبد فقير" لا حاجة اليه لان العبد ان كان يملك فهو كسائر المصارف من المسلمين وان كان لا يملك فإعطاؤه لسيده والاعتبار بحال السيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015