ظهور النبوة المحمدية إلي الآن إلا وقبر على هذه الصفة إلا لعذر كمن يموت في البحر ونحوه بل وقع منه صلى الله عليه وسلم الأمر بمواراة قتلى المشركين في يوم بدر وجعل لهم قليب دفنوا فيه والأمر أشهر من أن يذكر.

قوله: "ويواريه من غسله أو غيره للضرورة".

أقول: لا دليل على هذا بل الدليل على خلافه فإنه قد ثبت في البخاري ["1342"] ، وغيره أنها لما ماتت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجة عثمان جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر وقال: "هل من أحد لم يقارف الليلة؟ " فقال أبو طلحة: أنا قال: "فانزل في قبرها" وفي رواية لأحمد عن أنس أنها رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجة عثمان فقد واراها ونزل في قبرها أبو طلحة مع حضور زوجها ووالدها وأما قوله: "وتطيب أجرة الحفر والمقدمات" فلا وجه لذلك بعد جعل الدفن واجبا على الكفاية وسيأتي الكلام على ذلك في الإجارات إن شاء الله تعالي.

قوله: "وندب اللحد".

أقول: حديث: "اللحد لنا والشق لغيرنا" أخرجه أحمد وأهل السنن] أبو دأود "3208"] ، الترمذي "1045"، النسائي "2009"، ابن ماجة "1554"] ،عن ابن عباس مرفوعا وحسنه الترمذي وصححه ابن السكن وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر وفيه ضعف وله شاهد من حديث جرير مرفوعا بنحوه أخرجه أحمد والبزار وابن ماجه وفي إسناده عثمان بن عمير وفيه ضعف وفي الحديثين دليل على مشروعية اللحد وأنه الذي ينبغي للمسلمين.

ولا ينافي هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن أنس قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا نبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فسبق صاحب اللحد فلحدوا له قال ابن حجر إسناده حسن وأخرج ابن ماجه نحوه من حديث ابن عباس لأن مجرد تردد من حضر من الصحابة لا تقوم به الحجة بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "اللحد لنا والشق لغيرنا" وأيضا قد اختار الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم اللحد كما في هذا الحديث وهو ثابت في صحيح مسلم ["90/966"] ، وغيره [النسائي "4/80"] ، من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال قال ألحدوا لى لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "وسله من مؤخره".

أقول: مؤخر القبر هو الذي يكون عند رجلي الميت ويدل على كون ذلك مشروعا ما أخرجه أبو دأود ["3211"] ، وسعيد بن منصور في سننه ورجاله رجال الصحيح عن أبي إسحق قال أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال هذا من السنة ولا يعارض هذا ما أخرجه الشافعي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا فإن المعنى أنه سل من جهة رأسه من قبل رجلي القبر وعلى تقدير احتماله لغير هذا المعنى فلا تقوم به الحجة لأمرين الأول أنه مرسل والثاني أنه فعل بعض الصحابة ولا تقوم به الحجة كما تقدم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015