ولاحقهم ولكن التحكم في مسائل الدين وإيقاعها على ما يطابق الرأي المبني على غير أساس يفعل مثل هذا.
وإذا تقرر لك ما ذكرناه فهذا الذي قد بايعه أهل الحل والعقد قد وجبت على أهل القطر الذي تنفذ فيه أوامره ونواهيه طاعته بالأدلة المتواترة ووجبت عليهم نصيحته كما صرحت به أحاديث النصيحة لله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وأما قوله: "وبيعته" فقد عرفناك أنها السبب الذي ثبتت به الولاية ووجبت عنده الطاعة ولكن على كل مسلم في ذلك القطر أن يقبل إمامته بعد وقوع البيعة له ويطيعه في الطاعة ويعصيه في المعصية ولا ينازعه ولا ينصر من ينازعه فإن لم يفعل هكذا فقد خالف ما تواتر من الأدلة وصار باغيا ذاهب العدالة مخالفا لما شرعه الله ووصى به عباده في كتابه من طاعة أولي الأمر ومخالفا لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيجاب الطاعة وتحريم المخالفة كما عرفناك.
وأما كونه يسقط نصيبه من الفيء فلم يرد ما يرد على هذا لأنه رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم.
وأما قوله: "ويؤدب من يثبط عنه" فالواجب دفعه عن هذا التثبيط فإن كف وإلا كان مستحقا لتغليظ العقوبة والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره لأنه مرتكب لمحرم عظيم وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء وتهتك عندها الحرم وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نزع يده من طاعة الإمام فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية"، [مسلم "1851"، أحمد "2/70، 82، 123، 133، 154"] .
وأما قوله: "ومن عاداه" إلخ فلا يخفاك أن الممنوع منه إنما هو المعصية له وترك الطاعة في غير المعصية والخروج عليه لما تواتر من الأحاديث كما عرفت ومن مقدمات الخروج عليه ما تقدم ذكره من التثبيط وتهييج الشر وإذكاء ناره وفتح أبوابه.
وأما كون له نصيبه من الفيء إن نصر فالظاهر أنه لا يسقط نصيبه وإن أثم بمجرد عدم النصرة وترك الطاعة كما تقدم.
قوله: "والجهاد فرض كفاية".
أقول: الأدلة الواردة في فرضية الجهاد كتابا وسنة أكثر من أن تكتب ها هنا ولكن لا يجب ذلك إلا على الكفاية فإذا قام به البعض سقط عن الباقين وقبل أن يقوم به البعض هو فرض عيني على كل مكلف وهكذا يجب على من استنفره الإمام أن ينفر ويتعين ذلك عليه ولهذا توعد الله سبحانه من لم ينفر مع رسوله الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة: 39] . وعاتبهم لما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 120] ، إلى آخر الآية وعلى استنفار الإمام يحمل قوله