قوله: "والنصيب والسهم لمثل أقلهم".

أقول: وجه هذا أنه لا يريد إلا نصيبا من أنصباء التركة أو سهما من سهامها فإن كان في ذلك عرف معلوم وجب الرجوع إليه وإلا كان المتيقن هو أقل ما يصدق عليه أنه سهم من سهام التركة ونصيب من أنصابها ولا وجه لقول المصنف ولا يتعدى بالسهم السدس فإن الوقوف على السدس تحكم محض لا يدل عليه شرع ولا عقل ولا لغة ولا وجه للفرق بين النصيب والسهم إلا أن يكون المصنف قد بنى ذلك على عرف قد عرفه ولكنه لا يفيد شيئا لأن الإعتبار يعرف المتكلم حال التكلم ولا يلزمه عرف غيره من أهل عصره فضلا عن عرف من عصره قبل عصره.

وأما قوله: "والرغيف لما ينفق منه" فوجهه أن المتبادر ما هو كذلك فإن كان مجهولا رجع إلى عرف أهل بلده فإن لم يكن لهم عرف أو كان العرف مختلفا فالأقل لأنه المتيقن.

قوله: "وأفضل: أنواع البر الجهاد".

أقول: أما أفضل أنواع البر من غير نظر إلى خصوص الوصية فقد اختلفت الأدلة في أفضل الأعمال فتارة يذكر الجهاد وتارة الصلاة لأول وقتها وتارة ذكر الله وتارة بر الوالدين وتارة الصدقة وما ورد في هذا المعنى.

وينبغي الجمع بين هذه الأحاديث المختلفة بأن يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان مثلا قوي القلب مستعدا للجهاد فالجهاد أفضل أعماله ومن كان غير قادر على الجهاد أو يقدر عليه مع ضعف يلحقه وعدم فائدة تحصل منه فأفضل أعماله المحافظة على صلواته وأذكاره أو على بر والديه وإن كان كثير المال فأفضل أعماله الصدقة على ذوي الحاجة والحاصل أن أفضل أعمال كل رجل ما هو أكثر نفعا لغيره وأجود ثمرة وأتم فائدة.

وأما الوصية إذا أوصى بجزء من ماله تصرف في أفضل أعمال البر فذلك يختلف باختلاف الأوقات فأفضل أنواع البر في سني الشدة وأيام المجاعة هو الصدقة وأفضل أنواع البر في أيام المثاغرة للكفار ومدافعتهم عن بلاد الإسلام هو الجهاد وأفضل أنواع البر في غير هاتين الحالتين هو الصرف في العلماء والمتعلمين وتحشيدهم لنشر العلم والإستكثار من التعدريس وتخريج الطلبة وترقيتهم في العلوم فإنه بذلك يحصل تكاثر العلم وتكاثر أهله فيزداد الدين جمالا والإسلام رونقا لأن حملة العلم هم نجومه الذين يستضاء بأنوارهم ويهتدون بهديهم.

والحاصل أن العالم العارف بالموازنة بين الأعمال بين الأعمال مع اختلاف الأوقات لا يخفى عليه راجحها من مرجوحها وفاضلها من مفضولها.

قوله: "وأعقل الناس أزهدهم".

أقول: إن عرف من مقصد الموصي بجزء من ماله لأعقل الناس أنه يريد أعقلهم من حيث ما يقتضيه الشرع فلا شك ولا ريب أن من رغب عن عرض الدنيا الفاني وطلب عرض الآخرة الباقي هو الذي يستحق اسم العقل الكامل والإدراك الصحيح والنظر المطابق لمراد الله سبحانه وإن عرف من مقصد الموصي لأنه يريد أعقلهم باعتبار أمر غير هذا الأمر كالتبصر بإصدار الأمور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015