التخيير يجوز أن يعدل عن القتل إلى قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض، وعلى قول التنويع لا يُقتل من لم يَقتل، وكلا الحكمين لم يقل به أحد في الساب.
وقول السائل: "إن الأدلة قامت على أن عقوبة الساب القتل" لا يفيده هنا، لأنا إذا أردنا إدراجه في الآية نصًا أو حكمًا لا بُد أن نثبت له حكمها المنصوص، ولا يجوز أن ندرج في الآية أو في حكمها شيئًا ونثبت له حكمًا آخر مغايرًا لحكمها، هذا شيء لا يجوزه أحد من النظار ولا يقتضيه علم، ولا عاقب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من الكفار ولا من المرتدين السابين ولا الكفار والمرتدين غير السابين بشيءٍ من العقوبات المذكورة في الآية غير القتل، ثم إن هذا لو كان كحد الحرابة لم يجز العفو عنه بعد القدرة عليه، وقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سرح وغيره.
وقد تقرر في حد الحرابة أنه لا يسقط بعفو صاحب الدم لما فيه من حق الله تعالى، فهاهنا أولى لما قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه وإنما ينتقم لله، فلو كان السب كالحرابة لوجب الانتقام منه قبل الرجوع إلى الإسلام وبعده ولم يجز العفو عنه، ولما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سرح وقد صار في قبضته، وأسلم وقبل إسلامه وحسنت صحبته واستمر معه إلى آخر حياته.
بل أعرض عن ذي الخويصرة وقد قال: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! وكان قادرًا على الانتقام منه، وهذه القضية كانت في غزوة حنين بعد فتح مكة وقد أعز الله الإسلام وقواه، ولو قتله لم يحصل بسببه