بالضعفاء وأصحاب الحرف الصغيرة، مما أدى أخيرا بالمزارعين إلى أن يتركوا أعمالهم، ويلجئوا إلى الأديرة يلتمسون فيها المأوى والاستقرار، وكان أسعد المزارعين حظًّا ذلك الذي سمح له بأن يعمل لسيده بأجر زهيد.

ولم تقف هذه الإهانات الواقعة على الطبقات السافلة في حياتهم المدنية، بل كانت تلازمهم وهم في الجيش، وفي ميدان القتال، يقول المؤرخ "أميال مارسيلينوس": "إن هؤلاء الفلاحين البؤساء كانوا يسيرون خلف الجيوش مشاة كأنه قد كتب عليهم الرق الدائم، ولم يكونوا ينالون إعانة، أو تشجعيا، من راتب، أو أجرة، وكانت علاقة الفلاحين بالملاك أصحاب الأراضي كعلاقة العبيد بالسادة"1.

وقد أدى هذا الوضع الطبقي إلى نتائج بالغة السوء، فانتشر الحقد والبغضاء بين الضعفاء، والكبر والاستعلاء بين الكبراء، وهدد المجتمع بانقسامات خطيرة، سكنت ملامحها نفوس الناس وقلوبهم.

ولعل في هذا الوضع بعض أسباب انتشار واستقرار الإسلام السريع في ربوع الدولة الفارسية حين أتاها؛ لأن مبادئ الإسلام السامية صادفت وضعا ظالما فمحته، وطبقت تعاليمها مكانه، فاستقرت، وما ظهر في فارس من قوة وغنى، فقد كان خاصا بالطبقات الأعلى والحاكمة وحدها، وكل ما دونها فقد عاش في فقر وهوان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015