2- الأوضاع السياسية والاجتماعية والأخلاقية للفرس:

كان الحكم في الفرس مطلقا قائما على أساس تقديس بيت معين، يستمد حقه من الله، فلقد كان "آل ساسان" يعتقدون أن حقهم في الملك مستمد من الله ونشروا ذلك في الناس، وحتى أن العامة اعتقدوا هذا، وصار جزءا من تدينهم، ومن هنا كان الملك يتوارث للأولاد والحفدة، فإذا لم يجدوا من الأبناء رجلا كبيرا جعلوه لطفل لا يعي، فإن لم يوجد الطفل جعلوه لامرأة، ولقد ملكوا بعد شيرويه أردشير طفلا عمره سبع سنوات، وملكوا بوران بنت كسرى، وملكوا أخرى اسمها "أزرهى دفت"1، ووفقا لهذه النظرية المقدسة تمنع الأكاسرة، وهم ملوك فارس بمزايا لا حد لها، فهم كالآلهة تماما، وفوق القانون وفوق البشر، ولهم تنشد الأناشيد المقدسة، وعندهم تكفر الذنوب، وإشاراتهم أمر لا يستحق إلا السمع والطاعة، وكان لكل واحد منهم حاشية خاصة لها تقاليدها ومظاهرها.

وقد استغل الملوك منزلتهم عند القوم في الإثراء الفاحش الكبير، واعتادوا أن يكتنزوا النقود، ويدخروا الطرائف من الأشياء الغالية، حتى أن "خسرو الثاني" حينما نقل أمواله إلى بناء جديد سنة 608م بلغ ما نقله 468 مليون مثقال ذهب، وبعد ثلاثة عشر عاما من ملكه بلغت ماليته 800 مليون مثقال2، يقول شاهين مكاريوس: "لم يرد في التاريخ أن مليكا بذخ وتنعم مثل الأكاسرة، الذين كانت تأتيهم الهدايا والجزيات من كل البلدان الواقعة ما بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى"3.

وكانت الولايات العديدة تخضع لكسرى يوجهها كما يريد رغم تباعدها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015