وإن طلب جماعة لعلوم الدعوة فرض كفاية كالجهاد تماما؛ لأنهما معا يؤديان إلى حفظ الدين واضحا من غير تحريف، وإلى حمايته قويا بلا اعتداء، بل إن الدفاع عن الدين بالكلمة أحيانا يكون أجدى من الجلاد عنه بالسيف.

هذا وقد أخذ الشاطبي1 من قوله: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} أن الدعاة المنذرين قائمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قال له: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} فالإنذار في الآيتين عمل مشترك يقوم به النبي وأتباعه من بعده على وتيرته.

ولئن كانت مهمة النبي في زمنه صلى الله عليه وسلم صعبة، فإن مهمة الدعاة اليوم كذلك؛ لأن الهدف واحد وهو مخاطبة القلوب بالحكمة، ومجادلة المخالفين بالحسنى، وما أكثرهم اليوم ككثرتهم أيام النبي صلى الله عليه وسلم.

ولئن كان الوحي ينزل بالدين على رسول الله جزءا جزءا، فإن ما نزل منجما قد جمع وحفظ كله ليبقى بجملته مع الدعاة زادا لهم، وأملا لدعوتهم في النصر والبقاء.

ولئن عز الأشخاص المميزون فواجب على الأمة المسلمة أن تتخير وتعلم وتدرب، وكما تبذل جهودا لتخريج الأطباء والمهندسين والضباط، فعليها أن تبذل الكثير لإيجاد الداعية الكفء الذي يفيد الدين والناس جميعا.

والدعاة اليوم هم المبشرون المنذرون، الحاملون صوت النبوة، المكلفون بالوصول بها إلى كل مكان في الوجود.. وقد قدر الله للدعوة أن تظل باقية في كتبها محفوظة بأمره، لكن الذي يجب أن يكون اليوم هو وجود الداعية الكفء الذي يتخذ الرسول أسوته، ويحاول أن يستجمع ما اتصف به على قدر طاقته و {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

ولا بد في تكوين الداعية أن يكتسب بعض الصفات الضرورية التي تجعله ذا صلة قوية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015