لقد امتدت المرحلة المكية حتى الهجرة إلى المدينة المنورة، ووقعت خلالها أحداث عظام، تقدم أضواء عالية في حركة الدعوة إلى الله تعالى، تظهر العبر والدروس، وتكشف الطبائع والنفوس، وتبين ما في كل موقف من ركيزة ومبدأ مدروس، وتعود أهمية معرفة هذه المرحلة للدعوة إلى أنها تعيش مع المسلمين في مرحلة قلتهم وضعفهم، وتصور كيف عاش المسلمون بالإسلام صادقين مما أدى إلى انتقالهم من الضعف إلى القوة، ومن الهوان إلى العزة والانتصار، وهي أمور يحتاجها المسلمون المعاصرون.
كما أن أحوال الدعوة، ومدى ارتباط المسلمين بالإسلام، يحتاج إلى مراجعة ضرورية لقياس الأحوال على عصر التأسيس الأول؛ ليُعرف الداء، ويظهر الدواء.
وفي المرحلة المكية حدد النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بجلاء، ودعا إليه بوضوح، وتلقاه الصحابة منه نقيا صافيا، وعاشوا به، وعملوا له، وتحركوا من أجله؛ لأنهم تحملوه أمانة ومسئولية وحاجة شخصية.
إن المسلمين في كل زمان ومكان عليهم أن يرتبطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقوالهم، وأعمالهم، وأحوالهم، وكافة شئونهم، وهذا يحتم عليهم ضرورة العودة إلى السيرة النبوية وأحداثها، فهي الصورة العملية التطبيقية لتعاليم الله تعالى، وهي القرآن متحركا في السلوك والطاعة.
إن السيرة النبوية هي الوحي المنزل في صورة تطبيقية؛ ولذا كانت مدارستها تصويرا حيا للإسلام، وكان فهمها هو البداية الصحيحة للعمل بالإسلام.
والمسلم الصادق يدرك تماما أن السيرة النبوية ثقافة روحية، وفهم للدين، وإحاطة بالإسلام ناصعا جميلا.
لهذا ولغيره عقدت هذا الفصل لأطوف مع السيرة، وأتأمل في حركة الدعوة خلال المرحلة المكية لأبرز أهم الركائز المستفادة منها، وذلك فيما يلي: