عند صنم من أصنامهم، فقال بعضهم لبعض: تعلموا والله ما قومكم على شيء، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع، ولا يبصر، ولا يضر، ولا ينفع، ويا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم والله ما أنتم على شيء1.

وقد وقف "قس بن ساعدة الإيادي" قبيل البعثة بسوق عكاظ، وقال: "أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، ليل داج، وسماء ذات أبراج، أقسم قسما، حقا حتما، لئن كان في الأرض ليكونن بعده سخطا، وأن الله عزت قدرته دينا أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه"2.

وهكذا وصل فكر هؤلاء النفر إلى أن ما عليه قومهم ليس شيئًا يذكر، وأن دين الله الحق هو من نوع ما جاء به إبراهيم فبحثوا عنه، وانتظروا في الوقت نفسه رسولًا يبعثه الله إليهم، وقد انتشر هذا الفكر بين عدد من العرب3 مع اختلاف طرقهم التي سلكوها بعد ذلك، فمنهم من لم يهتد إلى شيء محدد حتى مات كـ"زيد بن نفيل"، ومنهم من تنصر وقرأ كتب النصرانية كـ"ورقة بن نوفل"، ومنهم من بقي على فكره حتى جاء الإسلام وأسلم كـ"عبيد الله بن جحش"4.. ومن هؤلاء المفكرين كانت طائفة "الحنفاء" التي عبدت الله على ما بقي من دين إبراهيم، وبحثوا عن كل ما غاب عنها، وهكذا لم يقتصر نشاط العرب الديني على الأصنام والأوثان فقط، بل اتجه مفكروهم إلى الإله الحق كما بدا من الحنفاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015