وقد رأينا لكل رسول شريعته المناسبة لقومه، فيها الحلال، وفيها الحرام، وفيها التكاليف العملية المتنوعة، وهي مع اختلافها مع كل رسول فهي منزلة من الله؛ ولذلك اتسقت مع العقيدة الربانية الواحدة، التي تلزم المعتقد بضرورة التلقي من الله الواحد، والتحاكم إلى الوحي المنزل، والأخذ من توجيهات النبي المبعوث، وبذلك يتحد الضمير الخفي مع الواقع العملي، ويعيش الناس -كل الناس- مع رسلهم مؤمنين مخلصين، مطيعين لله رب العالمين.
وكما اختلف الرسل في الشريعة اختلفوا كذلك في المنهج والأسلوب؛ ليتحقق المراد من الدعوة، يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1.
إن طريقة التوجه لقوم ما لا تتناسب مع التوجه لغيرهم؛ لما بين الفريقين من اختلاف تنوع، وتلك دروس مستفادة من تاريخ دعوة رسل الله تعالى.
وقبيل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم اقترب الناس فكريًّا، وترقت عقولهم حتى وصلت إلى التصور المجرد، والقدرة على مناقشة الدليل، إلا أنهم مع ذلك كانوا مختلفين واقعًا وسلوكًا وعقيدة.
ووسط هذا الحال بُعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا للعالم كله، بالعقيدة الإلهية الواحدة، والشريعة الملائمة للناس أجمعين، والصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.
إن الواقع البشري يلتقي مع العقيدة الإلهية؛ لأنها نفس العقيدة التي نادى بها جميع الرسل، وخوطب بها سائر الأقوام، وآمن بها الكثيرون فيما مضى من الزمان.
وسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات، فلا دين بعده، ولا رسول بعده؛ ولذلك جاء الإسلام -بعقيدته وشريعته- صالحا لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة.
وحتى تلتقي الشريعة الإسلامية الواحدة مع جميع الناس، وعلى امتداد الزمن