ولم يقتصر ذلك الجود على المؤلفة قلوبهم، ومن يطمع في إسلامهم، بل شمل جوده وكرمه صحابته المؤمنين، فعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان على بكر صعب لأبيه "عمر"، كان هذا البكر يغلب عبد الله، فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "بعنيه"، فقال: هو لك يا رسول الله "أي هبة"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعنيه"، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت"!! 1.
وجابر بن عبد الله رضي الله عنه يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ومعه جمل ثقال قد أعيا به، وخلفه في أخريات القوم، حتى زجره النبي صلى الله عليه وسلم، فأسرع به، فطلب منه بيعه عليه فقال: هو لك يا رسول الله، قال: "بعنيه" فاشتراه منه، وقال: "لك ظهره إلى المدينة"، فلما قدم المدينة أوصى بلالا أن يقضيه، ويزيد له عن ثمنه، ثم رد عليه جمله والثمن!! 2.
وفوق ما تقدم من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم، فلم يكن بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح3.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم سبابا، ولا فحاشا، ولا لعانا4، وهو القائل لعائشة رضي الله عنها: "يا عائشة، متى عهدتيني فحاشا؟! " 5.
وهو الموصوف بالتوراة ببعض صفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا إرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل،