إن ترك موطن الصبا والبعد عن الأهل والأحبة إلى مكان جديد لشاق على النفس يحتاج إلى تفهم لسببه، واقتناع بأهميته، والوقوف على الغايات السامية التي تقتضيه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم صعوبة الأمر بالهجرة على أصحابه ولذلك تدرج في أمرهم بالهجرة، وإخبارهم بمكانها ووجهتها.
ففي البداية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إني أريت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين"1.
فبدأهم بأنها رؤيا منامية، ورؤيا الأنبياء حق، ولم يحدد لهم مكان الهجرة لتنشغل نفوسهم بالبحث عنها والتفكير في شأنهم معها، وليعلموا أنها حصينة لوصفها بأنها بين لابتين، وغنية لأنها ذات نخل.
وقد ظن الصحابة بعد أن أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم برؤياه تلك أنها اليمامة2.
أو هجر3، أو يثرب4، أو قنسرين5 لوجود الصفات التي أخبرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ومع هذا الظن لم يتصرفوا من تلقاء أنفسهم وإنما انتظروا تحديد دار هجرتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدو أن هذا التحديد تم بعد مراحل تمهيدية.
ففي المرحلة الأولى أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم برؤياه.
يحدث أبو موسى الأشعري أن البداية كانت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة، أو هجر