شبه جزيرة العرب- بصفة عامة- من أولى بقاع الأرض التي عرفت الأديان السماوية، فكل الرسالات التي عرفها تاريخ البشرية نزلت على رسل، إما نشؤوا في شبه جزيرة العرب أو على مقربة منها. ومهما حاولنا تعليل اختصاص الله سبحانه تعالى هذه البقعة من الأرض برسالات السماء وتشريفها بها، فلن نصل إلى كنه الحقيقة؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم حيث يجعل رسالته. ومع هذا فإن شبه الجزيرة العربية، كانت بصفة عامة تعيش، قبيل ظهور الإسلام، عهدا وثنيّا، فكيف يتفق هذا مع كونها مهدا للأديان السماوية، ومن أين جاءتهم الوثنية إذن؟ القصة المشهورة هي أن عمرو بن لحي الخزاعي هو أول من أدخل الوثنية إلى بلاد العرب (?) ، نقلها من الشام إلى الحجاز، ومن ثم انتقلت إلى بقية بلاد العرب (?) ، ولكن يبدو أن هذه القصة ليست حقيقة تاريخية. فمن تتبع قصص الأنبياء الذين نشؤوا في شبه الجزيرة العربية في القرآن الكريم، يتضح لنا أنها عرفت الوثنية بأشكال متعددة قبل أن تعرف رسالات السماء، فعندما تقول عاد- وهم من العرب البائدة الموغلة في القدم- لهود عليه السّلام: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود: 53] . فمعنى ذلك أنهم كانت لهم آلهة وثنية يعبدونها، وأن بلاد العرب عرفت الوثنية قبل قصة عمرو ابن لحي. ولما امتنّ الله على هذه البلاد برسالات السماء آمن بها من آمن، وظل على وثنيته من ظل إلى أن كانت رسالة إبراهيم وإسماعيل عليهم السّلام في إقليم الحجاز وعاشت زمنا طويلا. وبتطاول الزمن نسي الناس، إلا قليلا منهم، هذه الرسالات السماوية، وعادوا أدراجهم إلى الوثنية، ولم يبق من رسالات السماء في الحجاز إلا ظل باهت، ظل في عقول بعض الرجال الذين أدركوا فساد عبادة الأوثان، ومنافاتها حتى للكرامة الإنسانية (?) .