ظهرت في العصر العباسي الأول (132- 232 هـ) من بين الفرس خاصة، والتي عمدت إلى تحقير العرب، والحط من مكانتهم لتقويض رسالتهم (?) .
وهذه الحركة أو هذه الظاهرة الاستشراقية التي بدأت منذ النصف الثاني من القرن الأول الهجري، على يد القديس يوحنا الدمشقي وحنا النقيوسي وأمثالهما، بدأت تتسع ويمتد نطاقها مع اتساع الفتوحات الإسلامية، وامتدادها إلى أوربا عن طريق الأندلس، وصقلية، وجنوب إيطاليا، ويمثل هذا التطور مكانا بارزا في تاريخ الاستشراق؛ لأن أوربا بعد أن وصلت إليها الفتوحات الإسلامية، وبعد أن بدأت الحضارة الإسلامية في الازدهار في تلك المراكز الأوربية، بدأت ترقب عن كثب ما يجري في قرطبة وطليطلة وأشبيلية وغيرها من المدن الأسبانية، فقررت الاستفادة من الحضارة الإسلامية، وهذا تطور كبير في حركة الاستشراق، وبداية التخلص شيئا فشيئا من قيود التعصب الكنسي، فقد وجد كثير من الأوربيين أن الحضارة الإسلامية بدأت تتألق لا في الشرق الإسلامي فحسب، بل في الأجزاء الأوربية التي وصلتها الفتوح الإسلامية، في الأندلس وصقلية وغيرها.
فقد كتبت أسبانيا العربية الإسلامية صفحة من أروع صفحات الحضارة الراقية في تاريخ القارة الأوربية في العصور الوسطى، يوم أن كانت أوربا كلها تتخبط في الظلام، ولقد بدأت تخرج من هذا الظلام يوم أن عرفت الحضارة العربية الإسلامية، وقدرت قيمتها وأهميتها، فبدأت ترسل أبناءها للتعليم في مراكز الحضارة الإسلامية في الأندلس، وفي مدنها العامرة، مثل قرطبة، وطليطلة، وأشبيلية وغيرها، وهذا الاتجاه كان تطورا إيجابيّا في مسيرة الاستشراق بالنسبة إلى أوربا عاد عليها بفوائد كثيرة (?) .
وقد اتخذ إقبال الأوربيين على الاستفادة من الحضارة العربية شكلا منظما، مما جعله استشراقا يقوم على أسس علمية ثابتة واضحة، فقد اهتمت الدول الأوربية بإرسال بعثات علمية إلى بلاد الأندلس العربية لدراسة العلوم والفنون والصناعات التي في معاهدها الكبرى، نتيجة زيوع شهرة الأندلس وحضارتها الزاهرة في انجلترا وفرنسا.
وهناك أمثلة كثيرة توضح هذا الاستشراق العلمي المنظم، ففي مطلع القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي وصلت بعثات علمية من انجلترا وفرنسا إلى أسبانيا