فالعلم القديم لم ينقطع من هذه البلاد تحت الحكم الأموي، وبقي العلماء يعلمون، والتلاميذ يتعلمون تحت رعاية الخلفاء والأمراء وبفضل سخائهم معهم (?) ، وعند ما نتذكر مدنا كمدينة جندي سابور في إقليم خوزستان في بلاد فارس وكيف بقيت الحركة العلمية فيها حية، وبصفة خاصة في العلوم الطبية، وأنها أصبحت في العصر العباسي مركزا طبيّا هائلا، ولا يتسع المقام هنا لذكر سلسلة الأطباء الذين تخرجوا في هذه المدينة، وعند ما نتذكر مدينة كحران في إقليم الجزيرة في العراق والعلماء الذين برزوا فيها في عصر الترجمة في العصر العباسي في علوم الفلك والرياضيات، وعند ما نتذكر مدينة الإسكندرية (?) وعلماءها الذين كانوا من أول من قام بالترجمة في العصر الأموي لواحد من أمراء البيت الأموي نفسه، وهو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

وكذلك كان الحال في بقية المدن في الشام والعراق وفارس، مثل أنطاكية والرها ونصيبين إلخ. وعند ما نعرف أن الأديرة المسيحية في مصر والشام والعراق كانت مراكز علمية وبها مكتبات لم تكن قاصرة على علوم اللاهوت باعتبار الأديرة قامت أصلا للعبادة، ولكن إلى جانب علوم اللاهوت كانت توجد في كل دير مكتبة فيها الكثير من الكتب التي تحتوي على علوم مدنية (?) . وبقيت هي الآخرى تمارس عملها في حرية كاملة دون أي تضييق.

عند ما نعرف ذلك كله- وهو قليل من كثير- ندرك قيمة العمل الذي قام به الأمويون في حفظ التراث البشري وتسليمه للعباسيين الذين قاموا بترجمته إلى اللغة العربية. ولكن لا بد أن نعرف لماذا لم يقم الأمويون بعملية ترجمة على نطاق واسع؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015