منزله وشد على راحلته وأخذ جرابا فيه سويق وأداوة من ماء ثم قال: لا أنزل عن ناقتي هذه إن شاء الله إلا لوقت صلاة حتى آتي المدينة، فبينا هو على ثلاثة مراحل من المدينة إذ لقيه عمار فعرفه بالبعير، قال: اعلم يا معاذ أن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا، فقال معاذ: يا أيها الهاتف في هذا الليل القار من أنت يرحمك الله! قال: أنا عمار بن ياسر، قال: وأين تريد؟ قال: هذا كتاب أبي بكر إلى معاذ يعلمه أن محمدا قد مات وفارق الدنيا، قال معاذ: فإلى من المهتدى (?) والمشتكى؟ فمن لليتامى والأرامل والضعفاء؟ ثم سار ورجع عمار معه وجعل يقول: نشدتك بالله كيف أصحاب محمد قال: تركتهم (?) كنعم بلا راع (?) ، قال: كيف تركت المدينة، قال: تركتها وهي أضيق على أهلها من الخاتم، فلما كان قريبا من المدينة سمعت عجوزا وهي تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: يا عبد الله! لو رأيت ابنته فاطمة وهي تبكي وتقول: يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه (?) ! يا أبتاه! انقطع عنا أخبار السماء، ولا ينزل الوحي إلينا من عند الله أبدا، فدخل معاذ المدينة ليلا وأتى باب عائشة فدق عليها الباب فقالت: من هذا الذي يطرق بنا ليلا؟ قال: أنا معاذ بن جبل، ففتحت الباب فقال: يا عائشة! كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شدة وجعه؟
قالت: يا معاذ! لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفار مرة ويحمار أخرى، يرفع يدا ويضع أخرى لما هنأك العيش طول أيام الدنيا! فبكى معاذ حتى خشى أن يكون الشيطان قد استفزه ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ظهر طليحة في أرض بني أسد ومالت (?) فزارة فيها «6» عيينة بن حصن بن «6»