لقد أقامت الهجرة دولة في مبتدأ تاريخ الإسلام؛ الذي قام منذ نحو أكثر من ألف وأربعمئة عام، حيث بداية التاريخ الإسلامي، وقامت دولته بكليتها، تحمل راية الحق، فواجهت صراعا في كل ميدان وهجمات من كل اتجاه ومكائد بكل لون، كان بعضها كافيا لسحق الدولة الإسلامية، وحضارتها الفريدة، وتفتيت كيانها، لولا- بعد عون الله- قوة البناء الإسلامي لمجتمعه الكريم، وحضارته الفذة، وبنيته المكينة.
واليوم يقف المسلمون في وجه ذلك كله، ولا خلافة- أو ما يماثلها- في الأرض، تحملهم وتحميهم، ولا مجتمع يضمهم، يحتكم بكليته إلى الله، ويؤول لشرعه. وهذا لون آخر من الدروس.
إن قوة وقوف أي تجمع إسلامي ليس مقتصرا- فحسب- حين تقوم الحياة الإسلامية، وتكون لها دولة، بل بغيرها أو بدونها أيضا. فهو الذي يسعى ليقيم الحياة الإسلامية ودولتها، ويعلي الراية في مجتمع ترفرف عليه، خضراء نضرة. ولا بدّ من مسعى لإقامة المجتمع المسلم الذي قام أولا في تاريخ الإسلام ثمرة لتلك الهجرة، هجرة إلى الله تعالى، منذ أول يوم التحق المسلم فيه بموكب الإيمان.