من أجزائها، وكلّ ركن من أركانها بدعاة ربانيّين مخلصين، مجاهدين مصلحين، مربّين، عارفين بالله، متحرّقين لخلق الله، باذلين أنفسهم ونفيسهم لخير الإنسانيّة، وإنقاذها من الخطر المحدق بها من كلّ جانب، رجال تحسدهم الملائكة، فأشعلوا مجامر القلوب الباردة، وأزكوا شعلة الحبّ الإلهيّ، وفجّروا أنهار العلوم والآداب، والحكم والمعارف، وفتحوا ينبوعا فياضا، متدفّقا من العلم والعرفان، والإيمان والحنان، وأنشؤوا في نفوس البشر مقتا شديدا للظلم والجور، والعدوان والبغضاء، ولقّنوا الشعوب المضطهدة، المهانة الذليلة، دروس المساواة، وضمّوا المنبوذين والمهجورين، والمساكين الذين لفظهم المجتمع، وطردهم أهلهم وعشيرتهم؛ إلى صدورهم العامرة بالحب والحنان، إنّك تجد آثارهم، وتلمس آياتهم على كلّ جزء من أجزاء البسيطة كمواقع القطر، لا يخلو منها بيت وبر، ولا مدر.

وانظر في جوهر أعمالهم وكيفيّتها) Quality (فضلا عن كميّتها) Quantity (وشاهد سموّ أفكارهم، وتحليقها في أجواء وآفاق رفيعة، وانظر شعورهم المرهف، وروحهم اللطيفة الوادعة الرقيقة، وذكاءهم الوقّاد، وطبعهم السليم، وكيف كانوا يتوجّعون للإنسانية ويذوبون لها كالشمعة، وكيف كانت نفوسهم وأرواحهم تتلوى وتذوب في نار الأسى والإشفاق، والعطف على الخلق، والحرص على ما فيه نفعه وصلاحه، كيف كانوا يقعون في المهالك، ويرحّبون بالخسائر لإنقاذ الناس، ودفع البلاء عنهم، كيف كان حكامهم وولاة أمورهم، يصرّفون الأمور، ويشعرون بالمسؤوليّة، يعسّون بالليل ويرابطون على الثغر، وكيف كان الشعب منسجما معهم، مطيعا لأوامرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015