وجهادا وذكرا وتسبيحا وقتالا في سبيل الله، ولا يثاب عليه العامل، والعالم، والمجاهد، والداعي، بل قد تعود تلك الأعمال والخدمات عليه وبالا، وتكون بينه وبين الله حجابا (?) .

إنّ المأثرة الخامسة من ماثر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنّه ملأ هذه الفجوة الواسعة بين الدين والدّنيا، وجعل هذين المتنافرين المتباعدين، اللذين عاشا في خصام دائم، وعداء سافر، وحقد مستمرّ، يتعانقان في إلف وودّ، ويتعايشان في سلام ووئام.

إنّه صلى الله عليه وسلم رسول الوحدة، وبشير ونذير في الوقت ذاته، إنّه أخذ النوع البشريّ من المعسكرين المتحاربين إلى جبهة موحّدة من الإيمان والاحتساب، والعطف على البشريّة، وابتغاء رضوان الله، وعلّمنا هذا الدعاء الجامع، المعجز الواسع: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ [البقرة: 201] .

إنّه أعلن بالآية القرآنية: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الأنعام: 162] أنّ حياة المؤمن ليست مجموع وحدات متفرّقة مضادّة، بل هي وحدة تسيطر عليها روح العبادة والاحتساب، ويقودها الإيمان بالله والإسلام لأوامره، وهي تشمل شعب الحياة كلّها، وميادين الكفاح كلّها، وأصناف العمل كلّها، إذا تحقّق الإخلاص، وصحّت النيّة، وأريد بها وجه الله، وكانت على المنهج الصحيح الذي جاء به الأنبياء.

فدلّ ذلك على أنّه رسول الوحدة والوئام والانسجام بالكمال والتمام، وأنّه البشير والنذير في نفس الوقت، إنّه قضى على نظرية الانفصال بين الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015