في قلبها الضعيف المتواني، وجسدها الهامد البارد روحا جديدة، وحرارة جديدة، وهيّأ لجروحها بلسما، ورفعها من حضيض التراب إلى أوج العزّة والسيادة، والثقة والاعتزاز، والاعتداد بالنفس، والاعتماد على الله.
لقد وزّعت الديانات القديمة- خاصّة المسيحية- الحياة الإنسانية في قسمين: قسم للدين، وقسم للدنيا، ووزّعت هذا الكوكب الأرضيّ في معسكرين: معسكر رجال الدين، ومعسكر رجال الدنيا، وما كان هذان المعسكران منفصلين فحسب، بل حال بينهما خليج كبير، ووقف بينهما حاجز سميك، وظلّا متشاكسين متحاربين.
وكان كلّ واحد يعتقد أنّ هناك خصومة وعداء بين الدين والدنيا، فإذا أراد إنسان أن يتصل بأحدهما، لزم عليه أن يقطع صلته بالآخر، بل أن يعلن الحرب عليه، فلا يمكنه- على حدّ قولهم- أن يركب سفينتين في وقت واحد، وأنّه لا سبيل إلى الكفاح الاقتصاديّ ورخائه من غير غفلة عن الدار الآخرة، وإعراض عن فاطر السموات والأرض، ولا بقاء لحكم أو سلطة من غير إهمال التعاليم الدينيّة والخلقيّة، والتجرّد عن خشية الله، ولا إمكان للتديّن من غير رهبانيّة، وقطع الصلة عن الدنيا وما فيها.
المعلوم المقرّر أنّ الإنسان محبّ لليسر، مجبول عليه، وكلّ فكرة دينيّة لا تسمح بالاستمتاع المباح، والنهضة، والعزّة، والحصول على القوة والحكم، لا تصلح للنوع البشريّ في الغالب، إنّه صراع مع الفطرة