ولم يكن ذلك إلّا من حكمة إلهيّة، وتمحيصا لأنفسهم، وتربية للمسلمين، وإنّما هو التسويف، وضعف الإرادة، والاعتماد الزائد على الوسائل الموجودة وعدم الجدّ والإسراع في الأمر، وكم جنى ذلك على أناس لم يكونوا أقلّ من إخوانهم إيمانا وحبا لله ولرسوله، وذلك ما عبّر عنه ثالث ثلاثتهم كعب بن مالك بقوله:
«فطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا.. فأقول في نفسي، أنا قادر عليه، ولم يزل يتمادى بي، حتّى اشتدّ الجدّ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهّز بعده بيوم أو يومين، ثمّ ألحقهم، فغدوت- بعد أن فصلوا- لأتجهّز فرجعت ولم أقض شيئا، ثمّ غدوت فرجعت فلم أقض شيئا.
فلم يزل بي حتّى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدّر لي ذلك» (?) .
وقد امتحن الله إيمان هؤلاء الثلاثة، ومدى حبّهم للرسول صلى الله عليه وسلم ووفائهم للإسلام، والبقاء عليه في السرّاء والضرّاء، وإكرام الناس وجفوتهم، وفي حال إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعراضه امتحانا قلّ نظيره في تاريخ المجتمعات