والراسخون في الإسلام، من الذين نشؤوا في بيئة دينية خالصة لا شأن لها بالعالم الخارجي، وبالثقافة العصرية، وذلك وإن كانت موهبة من الله، فإن سيرة نبيّ أرسل إلى الناس كافة، وأرسل رحمة للعالمين، لا يجوز أن تجعل مقصورة على هذه الطبقة السعيدة المؤمنة، محجورة على من لم تسمح ظروفهم بالنشوء في هذه البيئة المسلمة المؤمنة، وأرادت حكمة الله أن يولدوا في بيئات غير إسلامية، ثم يدركهم اللطف الإلهي، وتهبّ عليهم نفحة من نفحات هذه السيرة العطرة، فينتقلون بقوتها وجاذبيتها إلى حظيرة الإيمان ومعسكر الإسلام، وليس حق غير المسلمين على هذه السيرة وحظهم فيها أقلّ من حق المسلمين الذين نشؤوا في ظلال الإيمان والإسلام، والدواء حاجة المريض أكثر من حاجة السليم، والقنطرة يحتاج إليها من يعيش وراء النهر أكثر مما يحتاج إليها من يعيش دونه.

ثم لا يسع المؤلّف في السيرة صرف النظر عن البيئة التي كان فيها وجودها وقيامها، وعن العصر الذي كان فيه طلوعها وبزوغها، فلا بد من وصف الجاهلية العالمية الضاربة أطنابها على الأرض كلها في القرن السادس المسيحي، ومدى ما وصل إليه هذا العصر من الفساد والانحطاط، والقلق والاضطراب، ووصف حالته الخلقية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية وما تضافر عليه من عوامل الإفساد والإضلال والتدمير والإبادة، من حكومات جائرة، وأديان محرّفة، وفلسفات متطرفة، وحركات هدّامة.

وحين أراد المؤلّف أن يكتب فصلا في تفصيل وتوسّع على العصر الجاهلي يقدم به كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» وجد في ذلك صعوبة لا ينساها حتى اليوم، واضطرّ إلى أن يجمع المعلومات من المراجع الأجنبية والكتب التي ألّفت في تاريخ البلاد والأمم، والدّول المعاصرة لنشوء الإسلام، في اللغات الأوربية، فالتقطها من ثنايا هذه الكتب كما تلتقط حبّات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015