ولم يزل الحبّ منذ فطر الله الإنسان ملهما للدقائق العجيبة، باعثا على الإشفاق على من تعلّق به القلب وأحبّته النفس، وهذا كان شأن أبي بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة.
وقد روي أنّه لمّا انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ومعه أبو بكر، كان يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر! ما لك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يديّ؟» فقال: يا رسول الله! أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثمّ أذكر الرّصد فأمشي بين يديك (?) .
فلمّا انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله! حتّى أستبرىء لك الغار، فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان، ذكر أنّه لم يستبرىء الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله! حتى أستبرىء فدخل فاستبرأ، ثمّ قال: انزل يا رسول الله! فنزل (?) .
ودخلا الغار، وبينما هما كذلك إذ بعث الله العنكبوت، فنسجت ما بين الغار والشجرة التي كانت على وجه الغار، وسترت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وأمر الله حمامتين وحشيتين، فأقبلتا تدفّان حتّى وقعتا بين العنكبوت وبين الشجرة (?) ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفتح: 4] .