عليه لمّة من الشيطان، أو أن يكون به مسّ من الجنّ، وأنّ ذلك يتنافى مع ما عرفته من حكمة الله ورأفته في خلقه، فقالت في ثقة وإيمان وفي قوّة وتأكيد:
«كلّا! والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» (?) .
وقد قالت ذلك خديجة، اعتمادا على العقل السليم، والفطرة الصحيحة، وعلى تجاربها في الحياة، ومعرفتها للنّاس.
ولكنّ الأمر كان أعظم من هذا، وكان يحتاج إلى رجل له خبرة بالدّيانات وتاريخها، والنبوّات وسننها، ومعرفة بأهل الكتاب الذين عندهم أخبار الأنبياء وعلمهم.
فرأت أن تستعين في ذلك بابن عمّها العالم «ورقة بن نوفل» فانطلقت برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقة خبر ما رأى، فقال ورقة: «والّذي نفسي بيده إنّك لنبيّ هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، وإنّ قومك سيكذّبونك، ويؤذونك، ويخرجونك، ويقاتلونك» .
وتعجّب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ورقة: إنّهم سيخرجونك، لأنّه كان يعرف منزلته عند قريش، فلا ينادونه ولا يخاطبونه إلا ب «الصّادق» وب «الأمين» فقال متعجّبا: «أو مخرجيّ هم؟!» .
قال ورقة: «نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلا عاداه النّاس