المصلحين في العالم المسيحيّ، والتمييز الدقيق بين عقائد الفرق المسيحية وأقوالها، وتعرض القرآن لحوادث لم تحدث إلا بعد ثلاثين وأربعين سنة، حين أصبحت عظام (بحيرى) نخرة «1» ، كاندحار الرّوم أمام الفرس في الأعوام الأولى من القرن السابع المسيحيّ (603- 616) إلى آخر نقطة من تراجع الجيوش وتقلّص الحكومات، حتى كادت الإمبراطورية البيزنطية تلفظ نفسها الأخير، وتصبح مستعمرة ساسانية حقيرة، وانقطع كلّ أمل في نهوض الدولة البيزنطيّة وعودتها إلى أوجها الأول، ثمّ انتصار الروم البيزنطيين الرائع، النافي لكلّ تقدير وتخمين، على الفرس الظافرين المنتصرين، حتى أوغلت الجيوش الروميّة في قيادة هرقل في إيران، وغرزت أعلام الفتح في قلب البلاد، وأثخنت الشعب الإيرانيّ قتلا وجراحا، وأهانت المعابد والمقدّسات الدينية، وعادت من أسوار العاصمة ظافرة مرفوعة الرأس، وذلك كلّه في ظرف تسع سنين «2» ، وهو ما أعلنه القرآن بقوله:
الم (?) غُلِبَتِ الرُّومُ (?) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الروم:
1- 7] .
وهي نبوّة لا يقدر عليها إلّا العليم القدير الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ، ولم يكن