لحفيده اليتيم، الذي كان أحبّ أولاده إليه، مرضعا من البادية، على عادة العرب، وكان العرب يؤثرون البادية لرضاعة الأطفال ونشأتهم الأولى، لما في هواء البادية من الصفاء، وفي أخلاق البادية من السلامة والاعتدال، والبعد عن مفاسد المدنية، ولأنّ لغة البادية سليمة أصيلة.
وجاءت المراضع من قبيلة بني سعد، وكانت لها شهرة في المراضع وفي الفصاحة، وأدركت حليمة السعديّة (?) هذه السعادة، وكانت خرجت من بلدها تلتمس الرضعاء، وكان العام عام جدب، وهم في ضيق وشدّة، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع المراضع فزهدن فيه، وذلك لأنهنّ كنّ يرجون المعروف من أبي الصبيّ، فقلن: يتيم! وما عسى أن تصنع أمّه وجدّه؟!
وهكذا فعلت حليمة، فانصرفت عنه أوّل مرة، ثمّ انعطف قلبها عليه، وألهمها الله حبّه، وأخذه، ولم تكن وجدت غيره، فرجعت إليه، فأخذته، وذهبت به إلى رحلها، ولمست البركة بيدها، فكان لكلّ شيء في رحلها شأن غير الشأن، ورأت البركة في اللبان والألبان، والشارف والأتان، وكلّ يقول: لقد أخذت يا حليمة! نسمة مباركة، وحسدتها صواحبها (?) .