وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَسَنُورِدُهَا فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَنَّ ذَاكَ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَهَذَا بناه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَقَرَّرُوا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ فِي بلد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ، وَحَرَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيره، وَبسط هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَصْلٌ وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول مَسْجده الشريف حجرا لِتَكُونَ مَسَاكِنَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ، وَكَانَتْ مَسَاكِنَ قَصِيرَةَ الْبِنَاءِ قَرِيبَةَ الْفِنَاءِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، وَكَانَ غُلَامًا مَعَ أُمِّهِ خَيْرَةَ مُوْلَاةِ أُمِّ سَلَمَةَ، لَقَدْ كُنْتُ أَنَالُ أَطْوَلَ سقف فِي حجرَة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي.
قُلْتُ: إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ شَكِلًا ضَخْمًا طُوَالًا.
رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْض: كَانَت مساكنه عَلَيْهِ السَّلَام مَبْنِيَّةً مِنْ جَرِيدٍ عَلَيْهِ طِينٌ، بَعْضُهَا مِنْ حِجَارَةٍ مَرْضُومَةٍ، وَسُقُوفُهَا كُلُّهَا مِنْ جَرِيدٍ.
وَقَدْ حكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مَا تقدم.
وَكَانَتْ حُجَرُهُ مِنْ شَعَرٍ مَرْبُوطَةً بِخَشَبٍ مِنْ عرعر.