وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أَنَّهُ رُبَّمَا ذَبَحَ أَيَّامَ الْحَجِيجِ عشرَة آلَاف بَدَنَة وكسا عَشَرَةَ آلَافِ حُلَّةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ الْعَرَبَ وَيَحِيسُ لَهُمُ الْحَيْسَ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَيَلُتُّ لَهُمُ السَّوِيقَ.
قَالُوا: وَكَانَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِيهِمْ كَالشَّرْعِ الْمُتَّبِعِ، لِشَرَفِهِ فِيهِمْ وَمَحِلَّتِهِ عِنْدَهُمْ وَكَرَمِهِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ، وَيُقَالُ وَلَدُ عِمْلِيقَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا، وَنَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا.
فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تُعْطُونِي مِنْهَا صَنَمًا فَأَسِيرُ بِهِ إِلَى أَرض الْعَرَب فيعبدونه (?) فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالَ لَهُ هُبَلُ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ وَالْتَمَسُوا الْفُسَحَ فِي الْبِلَادِ إِلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحرم تَعْظِيمًا للحرم.
فَحَيْثُ مَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ.
حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَعْجَبَهُمْ، حَتَّى خَلَفَتِ الخلوف ونسوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا حَثْيَةً مِنَ التُّرَابِ وَجِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ طفنا بهَا.