يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً فَخَرَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتُرُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ مَا بَيْنَهُمَا فَسَتَرَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَأَقْبَلَتَا تَدُفَّانِ (?) حَتَّى وَقَعَتَا بَيْنَ الْعَنْكَبُوتِ وَبَيْنَ الشَّجَرَةِ، وَأَقْبَلَتْ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ، مَعَهُمْ عِصِيُّهُمْ وَقِسِيُّهُمْ وَهِرَاوَاتُهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ قَالَ الدَّلِيلُ، وَهُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ: هَذَا الْحَجَرُ ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ وَضَعَ رِجْلَهُ.
فَقَالَ الْفِتْيَانُ: أَنْتَ لَمْ تُخْطِئْ مُنْذُ اللَّيْلَةِ.
حَتَّى إِذا أَصْبحُوا (?) قَالَ: انْظُرُوا فِي الْغَار، فاستبقه الْقَوْمَ حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، فَإِذَا الْحَمَامَتَانِ، فَرَجَعَ (?) فَقَالُوا: مَا رَدَّكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي الْغَارِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَرَفَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ.
فَسَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُمَا بِهِمَا، فَسَمَّتَ عَلَيْهِمَا، أَيْ بَرَّكَ عَلَيْهِمَا، وَأَحْدَرَهُمَا اللَّهُ إِلَى الْحَرَمِ فَأَفْرَخَا كَمَا تَرَى.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قد رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِعُوَيْنٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
وَفِيهِ أَنَّ جَمِيع حمام مَكَّة من نسل تيك الْحَمَامَتَيْنِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَائِفَ الَّذِي اقْتَفَى لَهُمُ الْأَثَرَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلَجِيُّ.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الَّذِي اقْتَفَى لَهُم الاثر
كرز بن عَلْقَمَة.