فصل قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّهُمْ عَدَوْا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَبِرَمْضَاءِ مَكَّةَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، مَنِ اسْتَضْعَفُوهُ مِنْهُمْ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ.
فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُبُ لَهُمْ وَيَعْصِمُهُ
اللَّهُ مِنْهُمْ.
فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، لِبَعْضِ بَنِي جُمَحَ مُوَلَّدًا مِنْ مُوَلَّدِيهِمْ، وَهُوَ بِلَال بن رَبَاح وَاسم أُمِّهِ حَمَامَةَ، وَكَانَ صَادِقَ الْإِسْلَامِ طَاهِرَ الْقَلْبِ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ يُخْرِجُهُ إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى.
فَيَقُولُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ: أَحَدٌ أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بن نَوْفَل يمر بِهِ وَهُوَ يعذب لذَلِك وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ.
فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ وَاللَّهِ يَا بِلَالُ! ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَمَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهِ مِنْ بَنِي جُمَحَ فَيَقُولُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا (?) .
قُلْتُ: قَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَرَقَةَ تُوُفِّيَ بعد الْبعْثَة فِي فَتْرَة الوحى،