ابْن النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نعم، يَوْم يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ، يسْعد فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ.

قَالَ أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقْ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقْ إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ عَلَيْهِ لَحَقٌّ.

وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ شِقٌّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْ شِعْرِ سَطِيحٍ قَوْلُهُ: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ * وَلَا تَلْبِسُوا صِدْقَ الْأَمَانَةِ بِالْغَدْرِ وُكُونُوا لِجَارِ الْجَنْبِ خصنا وَجُنَّةً * إِذَا مَا عَرَتْهُ النَّائِبَاتُ مِنَ الدَّهْرِ وَرَوَى ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ فَقَالَ: وَأَخْبَارُ سَطِيحٍ كَثِيرَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ كَاهِنًا، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ نَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ.

وَرُوِيَ لَنَا بِإِسْنَادٍ اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ سَطِيحٍ فَقَالَ: " نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ ".

قُلْتُ: أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الْمَعْهُودَةِ، وَلَمْ أَرَهُ بِإِسْنَادٍ أَصْلًا، وَيُرْوَى مِثْلُهُ فِي خَبَرِ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا.

وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَيِّدٍ لِسَطِيحٍ، وَفِيهَا رَوَائِحُ التَّصْدِيقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَ الْجَرِيرِيُّ.

فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أُخْتِهِ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحب الهراوة، وفاض وَادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نَار فَارس، فَلَيْسَ الشَّام لسطيح شاما، يملك مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ.

ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ - أَوْ شَيْعِهِ (?) - أَي أقل مِنْهُ.

*

طور بواسطة نورين ميديا © 2015