ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى نَفْسِهِ ثمَّ قَالَ: خُذْهُ يَابْنَ عَوْفٍ، اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فَهَذَا عَهْدُ الله وسيرة نَبِيكُم فِيكُمْ.
فَأَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اللِّوَاءَ.
قَالَ: ابْنُ هِشَامٍ: فَخَرَجَ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ.
بعث أَبى عُبَيْدَة بن الْجراح، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ إِلَى سِيفِ الْبَحْر، وزوده عَلَيْهِ السَّلَام جرابا من تمر و [فِيهَا] قِصَّةُ الْعَنْبَرِ وَهِيَ الْحُوتُ الْعَظِيمُ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ، وَأَكْلُهُمْ كُلِّهِمْ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ حَتَّى سَمِنُوا وَتَزَوَّدُوا مِنْهُ وَشَائِقَ أَيْ شَرَائِحَ، حَتَّى رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمُوهُ مِنْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ.
كَمَا تَقَدَّمَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنَ الْبُعُوثِ - يَعْنِي هَاهُنَا - بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ لِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَكَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُمَا قَتْلُ أَبِي سُفْيَانَ بَلْ قَتَلَا رَجُلًا
غَيْرَهُ وَأَنْزَلَا خُبَيْبًا عَنْ جِذْعِهِ.
وَبَعْثُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ الْبَكَّائِينَ إِلَى أَبِي عَفَكٍ، أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ حِين قتل رَسُول الله الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَقَالَ يَرْثِيهِ وَيَذُمُّ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - الدُّخُولَ فِي الدِّينِ: لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إِنْ أَرَى * مِنَ النَّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا أَبَرَّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ * يُعَاقِدُ فِيهِمْ إِذَا مَا دَعَا مِنَ اوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ * يَهُدُّ الْجِبَالَ وَلم يخضعا