وَاللَّهِ إِنِّي لِأَسِيرُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ لِي وَفِي رِجْلِي نَعْلٌ غَلِيظَةٌ إِذْ زَحَمَتْ نَاقَتِي نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقَعُ حَرْفُ نَعْلِي عَلَى سَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْجَعَهُ، فَقَرَعَ قَدَمِي بِالسَّوْطِ وَقَالَ: " أَوْجَعْتَنِي فَتَأَخَّرْ عَنِّي " فَانْصَرَفْتُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدِ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُنِي قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ لِمَا كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَمْسِ.
قَالَ: فَجِئْتُهُ وَأَنَا أَتَوَقَّعُ، فَقَالَ: " إِنَّكَ أَصَبْتَ رِجْلِي بِالْأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِي فَقَرَعْتُ قَدَمَكَ بِالسَّوْطِ فَدَعَوْتُكَ لِأُعَوِّضَكَ مِنْهَا " فَأَعْطَانِي ثَمَانِينَ نَعْجَةً بِالضَّرْبَةِ الَّتِي ضَرَبَنِي.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا دلّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَغَيْرُهُ.
وَظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب الذى أوردهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا رَدَّ
السَّبْيَ وَرَكِبَ عَلَقَتِ الْأَعْرَابُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ لَهُ: اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ: " رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَيُّهَا النَّاسُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نعما لقسمته فِيكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا ".
كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِنَحْوِهِ.
وَكَأَنَّهُمْ خَشُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَى هَوَازِنَ أَمْوَالَهُمْ كَمَا رَدَّ إِلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ، فَسَأَلُوهُ نسمَة ذَلِكَ فَقَسَّمَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالَجِعْرَانَةِ كَمَا أمره الله عزوجل، وَآثَرَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ وَتَأَلَّفَ أَقْوَامًا مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَأُمَرَائِهِمْ، فَعَتَبَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى خَطَبَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيمَا فعله تطبيبا لقُلُوبِهِمْ.