وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقَدْ كُنْتُ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّ جَفْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ صَكَّةَ عُمَيٍّ (?) " أَيْ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ.
وَفِي حَدِيثِ مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " تَطَلَّبُوهُ بَيْنَ الْقَتْلَى وَتَعَرَّفُوهُ بِشَجَّةٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنِّي تَزَاحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِابْنِ جُدْعَانَ فَدَفَعْتُهُ فَسَقَطَ عَلَى رُكْبَتِهِ فَانْهَشَمَتْ فَأَثَرُهَا بَاقٍ فِي رُكْبَتِهِ " فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُطْعِمُ التَّمْرَ وَالسَّوِيقَ وَيَسْقِي اللَّبَنَ، حَتَّى سَمِعَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْفَاعِلِينَ وفعلهم * فَرَأَيْت أكْرمهم بنى الديَّان البريلبك بِالشِّهَادِ طَعَامُهُمْ * لَا مَا يُعَلِّلُنَا بَنُو جُدْعَانِ فَأَرْسَلَ ابْنُ جُدْعَانَ إِلَى الشَّامِ أَلْفَيْ بَعِيرٍ [جَاءَت] تَحْمِلُ الْبُرَّ وَالشَّهْدَ وَالسَّمْنَ، وَجَعَلَ مُنَادِيًا يُنَادِي كُلَّ لَيْلَةٍ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ: أَنْ هَلُمُّوا إِلَى جَفْنَةِ ابْنِ جُدْعَانَ.
فَقَالَ أُمَيَّةُ فِي ذَلِكَ: لَهُ دَاعٍ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ (?) * وَآخَرُ فَوْقَ كَعْبَتِهَا يُنَادِي إِلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى مِلَاءٍ (?) * لُبَابُ الْبُرِّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: " لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّين ".