وأخذت إحدى يديه تقلّبها ثم بكت .. هذه أنامل أخيها وحبيبها ورفيق طفولتها .. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه عن عمّه: (قاتلهم حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة، وطعنة، ورمية، فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر: فما عرفتُ أخي إلَّا ببنانه .. ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، قال: فكانوا يرون أمّا نزلت فيه وفي أصحابه) (?).
ومضى أنس بعد أن برّ بيمينه .. وتلقّى السيوف بكل جسده حتى تزيّن كله بها .. كان جسد أنس أرضًا ثانية للمعركة .. حتى أن وجهه لم يعرف من الجراح والشقوق وتشويه المشركين له .. فنزلت هذه الآيات العظيمة فيه وفي رفاقه .. فقرأها - صلى الله عليه وسلم - وبشّرهم وبشّر من بعدهم.
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه، ودعا له، ثم قرأ هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحدٌ إلى يوم القيامة إلَّا ردوا عليه) (?).