[ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه خروجنا].
ثم ذهب، فجاء زوجي عامر بن ربيعة، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر ابن الخطاب فقال: ترجين يسلم؟ فقلت: نعم. قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب -هذا من شدته على المسلمين- ثم رزقه الله الإِسلام) (?).
وتحركت المطايا والقلوب تلوح لمكة .. وركب المعذبون البحر .. وارتفعوا مع الموج وانخفضوا حتى قذفتهم المراكب على سواحل الحبشة فرأوا الأمان وتلمسوه فعانقوه وارتاحت قلوبهم .. واستراحت أبدانهم من شراسة قريش .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية أصحابه فمكثوا في مكة يمشون على الأشواك .. ويحثى عليهم التراب .. ويبصق في وجوههم .. لكنهم لا يتراجعون يدعون ويدعون .. ويكثر أتباعهم كل يوم .. فتضطرب قريش من هذا الدين الذي يشتد عوده كلما اضطهد وعذب أتباعه .. كأنهم يقتاتون الشقاء والمعاناة .. يحتسون المرارة .. فيزدادون صفاءً وتألقًا .. هذا عبد الله بن عمرو بن العاص .. يحدث رجلًا ويخبره عن أشد المناظر فظاعة .. أشد مناظر قريش قسوة وهي تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لقد رأيتهم -وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجر-، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ما رأينا مثل صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا (?)، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، وصبرنا منه على أمر عظيم .. أو كما قالوا.