منثورًا بين يديه وولت فلول الأعداء منهزمة ذليلة "فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم" (?) ونهي جيشه أن يلاحق تلك الفلول المنهزمة رغم هشاشتها وسهولة أخذها مما جعل الأمر أشد غرابة من منع إشعال النار .. لكن الصحابة لم يحتجوا هذه المرة واكتفوا بموقف أبي بكر المتعقل والملتزم .. كما اكتفى عمرو بهذا الانتصار ثم أمر أتباعه بالعودة فأطاعوه .. والجدير بالانتباه أن عمرًا لم يكن أميرًا حربيًا يجب الالتفاف عليه والوقوف عند أوامره العسكرية فقط بل هو إمام الجيش في الصلاة رغم وجود من يحفظ من القرآن أكثر منه ورغم وجود من هو أفضل منه ومع ذلك التزم أبو بكر وعمر ومن معهما الصلاة خلفه مما يؤكد أنه لا مكان في القيادة الإسلامية للعلمانية النصرانية فهي قيادة لا تفرق بين الدين والدنيا .. هما مفهومان متناغمان ومهمة القائد تكمن بتنقية الدنيا بالدين وبإشعالها به حيث لا مكان للرهبانية وتصوفها .. ولا للمادية البحتة التي تجعل الإنسان رقمًا أو كتلة تحتل حيزًا من هذا الكون .. في ضوء هذا المبدأ كان عمرو بن العاص الأمير يؤم الناس في صلاتهم وجهادهم وذات ليلة من تلك الليالي القاتلة البرودة احتلم عمرو بن العاص ولما نهض لصلاة الفجر وجد لزامًا عليه أن يستحم .. لكن الماء بارد والجو أبرد وحتى لو قام بعملية تسخين الماء فالتسخين لن يزيل ضرر الاستحمام وسط هذا الجو الزمهريري القارس .. في مثل هذه الأحوال تتداعى الحلول من كل جهات الأرض والسماء .. يقول عمرو: "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015