إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جاراً لي؛ شيخاً كبيراً قد بلغ الفَنَدَ، أو قربَ، فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال: بلى، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، وبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا قسِّيسي الروم وبطارقتها، ثم غلق عليه وعليهم الدار، قال: نزل هذا الرجلُ حيث رأيتم، وقد أرسل إليَّ يدعوني إلى ثلاث خصال: يدعوني أن أتبعه على دينه، أو أن نعطيه مالنا على أرضنا، والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلمَّ نتبعه على دينه، أو نعطيه مالنا على أرضنا، فَنَخَروا نخرة رجل واحد، حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية، أو نكون عبيداً لأعرابي جاء من الحجاز، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه رفاقهم وملكَه، قال: إنما قلت ذلك لكم: لأعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلاً من عرب تجيب - كان على نصارى العرب - قال: ادع لي رجلاً حافظاً للحديث، عربي اللسان، أبعثُه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاءني فدفع إليَّ هرقل كتاباً، فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما ضيَّعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال: انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء؟ وانظر إذا قرأ كتابي، هل يذكر الليل؟ وانظر في ظهره هل به شيء يريبك؟ فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين أصحابه على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه، فناولته كتابي فوضعه في حجره، ثم قال: " ممن أنت "؟ قلت: أنا أحد تنوخ، فقال: " هل لكَ في الحنيفية ملة أبيكم إبراهيم "؟ قلت: إني رسولُ قوم، وعلى دين