وفي السنة الثانية أيضا شرع الله الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وكان ذلك بعد شهر رمضان، لأن تشريع الزكاة العامة كان بعد زكاة الفطر، وزكاة الفطر كانت بعد فرض صيام رمضان قطعا، يدل على هذا ما رواه الأئمة أحمد وابن خزيمة والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة، فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله» قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح (?) .
وجمهور العلماء سلفا وخلفا على أن مشروعية الزكاة إنما كانت بالمدينة في السنة الثانية، وقالوا: إن قوله تعالى في سورة الأنعام المكية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ليس المراد به الزكاة المفروضة، وإن هذا شيء كانوا يعطونه عند الجذاذ ترضية للفقراء والمساكين من غير تقدير حد له، بل هو متروك لأريحية كل معط، فكان الواحد منهم يأتي بالقنون أو العذق فيضعه في جانب (?) المسجد، فيأتي الفقراء والمساكين فيأكلون منه، أو يعطي من حصاده ما تجود به نفسه من غير إلزام ولا تحديد بحد (?) .
وذهب بعض العلماء إلى أن فرضية الزكاة كانت بمكة بهذه الاية، ثم نزل تأكيد فرضيتها وبيان أنصبتها ومصارفها، ومقدار المخرج من كل نوع إلى غير ذلك من التفصيلات في المدينة.