الخطب في حجة الوداع كان أمرا لا بد منه لحاجة المسلمين، فهي الحجة الوحيدة التي حجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عز فيها الإسلام والمسلمون, وأصبحت كلمتهم هي النافذة في الجزيرة كلها، كما كانت الوداع الأخير، فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم إلى التذكير والنصح والتوصية وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفظوه ولا ينسوه، وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة (?).

هذا, وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، ثم نهض إلى مكة فطاف للوداع ليلاً سحرًا، وأمر الناس بالرحيل وتوجه إلى المدينة (?) وفي طريق العودة من حجة الوداع خطب الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في غدير خم قريبًا من الجحفة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وقد جاء في هذه الخطبة: «أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله؛ فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه, ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» (?) وفي رواية ... أخذ

بيد علي - رضي الله عنه - وقال: «من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه» (?)

وفي رواية: «من كنت مولاه فعلي مولاه» (?) وكان علي قد أقبل من اليمن وشهد

حجة الوداع (?) وقد اشتكى بعض الجند عليًّا وأنه اشتد في معاملتهم، وكان قد استرجع منهم حللا وزعها عليهم نائبه، فأوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم في غدير خم مكانة علي, ونبه على فضله لينتهوا عن الشكوى, (?) فقد كان الحق مع علي في إرجاع ما أعطاهم نائبه في غيبته لأنها أموال صدقات وخمس (?).

ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الحليفة بات بها، فلما رأى المدينة كبَّر ثلاث مرات، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون, صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم دخلها نهارًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015