وتيقظ ضميره وحاسب نفسه، ثم عزم على الخروج، وخرج وحده يقطع الفيافي والقفار حتى التقى بعمير بن وهب الجمحي, ولعله كان قادما من مكة، فهذه الصورة تبين لنا مثلا من سلوك المتقين الذين تمر عليهم لحظات ضعف يعودون بعدها أقوى إيمانا مما كانوا عليه إذا تذكروا وراجعوا أنفسهم, وفي بيان ذلك يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201].
وقد تذكر سريعا وخرج لعله يدرك ما فاته، وظل يشعر بالذنب حتى وصل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك وحصل على رضاه وسروره (?).
2 - معرفة الرسول بأصحابه وبمعادنهم:
إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال له أصحابه: هذا راكب على الطريق مقبل: «كن أبا خيثمة» , فلما اقترب وعرفوه قالوا: يا رسول الله, هو -والله- أبو خيثمة، يدل على معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأنه أعرفهم بمعادن رجاله، يعرف المستجيب من غيره، ويعرف التائب المنيب إلى ربه إذ زلت قدمه بسرعة رجوعه، ومعرفة خصال الرجال ومعادنهم تدل على معرفة واسعة، وخبرة مستوعبة فاحصة نتيجة التعامل والاحتكاك في ميادين
الحياة المختلفة، فقد كان يخالط الجميع، يسمع منهم ويسمعهم ويسيرون معه، ويجاهدون تحت رايته (?).
3 - حزم أبي خيثمة وصبره ونفاذ عزيمته:
تأمل هذا القرار الذي اتخذه أبو خيثمة - رضي الله عنه - أن يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، في هذه الرحلة المضنية، في هذه الصحراء القليلة الماء ذات الحر اللافح، لقد اتخذ هذا القرار الحازم ونفذه بدقة، فدل على قوة عزيمته وعنفوان إرادته وعلى جلده وصبره (?).
4 - عتاب القائد للجندي له أثره:
وصل أبو خيثمة معترفا بذنبه، يطرح السلاح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبه, صلى الله عليه وسلم معاتبة تحمل في طياتها اللوم والتأنيب والتهديد, إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولى لك يا أبا خيثمة» فهي كلمة فيها معنى التهديد، ومعناها: دنوت من الهلكة.
إنه مما لا شك فيه أن هذا الكلام كان له وقعه في نفس الجندي، إذ أوقفه على حقيقة ما ارتكب من الذنب.
وهذا منهج نبوي كريم في تعليم القادة عدم السكوت على أخطاء الجنود؛ لأن ذلك