فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123].

والذي قاله ابن كثير هو الأقرب للصواب، إضافة إلى أن الأمر الذي استقر عليه حكم الجهاد هو قتال المشركين كافة بمن فيهم أهل الكتاب, الذين وقفوا في طريق الدعوة وظهر تحرشهم بالمسلمين كما روى أهل السير (?).

ولا يمنع ما ذكره المؤرخون بأن سبب الخروج هو عزم الروم على غزو المسلمين في عقر دارهم أن يكون هذا حافزًا للخروج إليهم، لأن أصل الخروج كان واردًا.

لقد كان المسلمون على حذر من مجيء غسان إليهم من الشام, ويظهر ذلك جليا مما وقع لعمر بن الخطاب, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فهجرهن، ففي صحيح البخاري: وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربًا شديدًا، وقال: أثمَّ هو؟ ففزعت، فخرجت إليه، وقال: حدث عظيم، فقلت: ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول, طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ... (?).

ثالثًا: الإنفاق في هذه الغزوة وحرص المؤمنين على الجهاد:

حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة على الإنفاق في هذه الغزوة لبعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كل حسب مقدرته, وكان عثمان - رضي الله عنه - صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق في هذه الغزوة (?) , فهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله, عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان، فقال: يا رسول الله, عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله, عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه (?) وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم -يرددها مرارًا-» (?).

وأما عمر فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك, وهذا الفاروق يحدثنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015