وتثقيف للعقول وحياة للقلوب، وصفاء للنفوس.
إن السيرة النبوية غنية في كل جانب من الجوانب التي تحتاجها مسيرة الدعوة الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك سوابق كثيرة لمن يريد أن يقتدي به في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد، وكافة شؤون الحياة، كما أن التعمق في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يساعد القارئ على التعرف على الرصيد الخلقي الكبير الذي تميز به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل البشر ويتعرف على صفاته الحميدة التي عاش بها في دنيا الناس فيرى من خلال سيرته مصداق قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - عندما قال:
وأجمل منك لم تر قط عيني ... وأفضل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرءا من كل عيبٍ ... كأنك قد خلقت كما تشاء (?)
هذا ولا أدعي أني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، فشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبير، وتوضيح بعض معالم سيرته يحتاج إلى نفس أرق، وفقه أدقّ وذكاء أكبر وإيمان أعمق، كما أنني لا أدعي لعملي هذا العصمة أو الكمال، فهذا شأن الرسل والأنبياء، ومن ظن أنه قد أحاط بالعلم فقد جهل نفسه، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 85].
فالعلم بحر لا شاطئ له وما أصدق الشاعر إذ يقول:
وقل لمن يدّعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء
يقول الثعالبي: لا يكتب أحد كتابا فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غيرها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة، فكيف في سنين معدودة؟
وقال العماد الأصبهاني: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده، لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر ..
وأخيرًا أرجو من الله تعالى أن يكون عملاً لوجهه خالصًا, ولعباده نافعًا, وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هذا الكتاب قال الشاعر:
أسير خلف ركاب القوم ذا عرج ... مؤملا جبر ما لاقيت من عوج