رابعًا: مواقف لبعض الصحابة والصحابيات:

1 - أنس بن أبي مرثد الغنوي وحراسة المسلمين:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اندلاع معركة حنين: «من يحرسنا الليلة؟» فقال أنس بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «فاركب» فركب ابن أبي مرثد فرسا له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: «استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ونُغَرَنَّ من قبلك الليلة».

قال سهيل بن الحنظلية: فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: «هل أحسستم فارسكم؟» قالوا: ما أحسسناه، فثّوب بالصلاة, فجعل صلى الله عليه وسلم يصلي، وهو يلتفت إلى الشعِّب، حتى إذا قضى صلاته، قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» , فجعل ينظر إلى خلال الشجر في الشعب, فإذا هو قد جاء حتى وقف عليه فقال: إني انطلقت حتى إذا كنت في أعلى الشعب حيث أمرني صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل نزلت الليلة؟» فقال: لا، إلا مصليا أو قاضي حاجة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «قد أوجبت، فلا عليك أن تعمل بعدها» (?) وفي هذا الخبر يظهر لنا المنهج النبوي الكريم في الاهتمام بالأفراد، فقد ظهر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بطليعة القوم حتى جعل يلتفت في صلاته، وما كان ذلك ليحدث إلا لأمر مهم، ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا فقد جاء فارسكم» , إنها الكلمة التي يستعملها صلى الله عليه وسلم في إخبارهم بما يسرهم من الأمور العظيمة، تلك هي أهمية الفرد في المجتمع الإسلامي، إنه ليس كمَّا مهملاً، ولا رقمًا في سجل ولا بزالاً في آلة،

يستغنى عنه عند الضرورة ليؤتى بغيره، إنها بعض التفسير للمنهج الإلهي (?) في قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].

كما أن في هذه القصة معلمًا من معالم المنهج النبوي الكريم في وجوب اليقظة وتعرف أحوال العدو، ومراقبة حركاته، ومعرفة ما عنده من القوة عددًا وعدة, وما رسمه من خطط حربية، وهي سياسة مهمة بالنسبة للقادة الذين يسعون لإعلاء كلمة الله في الأرض (?).

وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قد أوجبت فلا عليك أن تعمل بعدها» فهذا محمول على النوافل التي يكفر الله بها السيئات، ويرفع بها الدرجات، والمقصود أنه عمل عملا صالحًا كبيرًا يكفي لتكفير ما قد يقع منه من سيئات في المستقبل، ويرفع الله به درجاته في الجنة، وليس المقصود أن هذا العمل يكفيه عن أداء الواجبات (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015