والله، ما مست يد رسول الله يد امرأة قط) وفي رواية: ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول: «إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة» (?).
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيًا إلى الإسلام، وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة (?) قبل حنين, ومعه جنود من بني سليم ومدلج والأنصار والمهاجرين, كان تعدادهم حوالي ثلاثمائة وخمسين رجلاً، فلما رأى بنو جذيمة الجيش بقيادة خالد أخذوا السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فقام رجل منهم يسمى جحدرا فقال: ويلكم يا بني جذيمة! إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدًا. فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه، فلما وُضع السلاح أمر بهم خالد فكتفوا، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ فيهم أسرا وقتلا، فأنكر عليه بعض أصحابه ذلك، ثم دفع الأسرى إلى من كان معه، حتى إذا أصبح يومًا أمر خالد أن يقتل كل واحد أسيره، فامتثل البعض، وامتنع عبد الله بن عمر وامتنع معه آخرون من قتل أسراهم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه، فغضب ورفع يديه إلى السماء قائلا: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» (?).
ودار كلام بين خالد وعبد الرحمن بن عوف حول هذا الموضوع حتى كان بينهما شر، فقد خشي ابن عوف أن يكون ما صدر عن خالد ثأرا لعمه الفاكه بن المغيرة الذي قتلته جذيمة في الجاهلية، ولعل هذا الذي وقع بينهما هو ما أشار إليه الحديث المروي عند مسلم وغيره: كان بين ابن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبَّه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» (?)، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فودى لهم قتلاهم وزادهم فيها تطييبًا لنفوسهم وبراءة من دمائهم (?) , وبهذا التصرف النبوي الحكيم واسى النبي صلى الله عليه وسلم بني جذيمة، وأزال ما في نفوسهم من أسى وحزن (?) وكان قتل خالد لبني جذيمة تأولا منه واجتهادًا خاطئًا, وذلك بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه على فعله (?).