فتضرب رأسي مؤخرة الرحل، فيمسني بيده، ويقول: «يا هذه مهلاً» (?). وعن صفية رضي الله عنها أنها بلغها عن عائشة وحفصة أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية، نحن أزواجه وبنات عمه، فدخل عليها صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «ألا قلتِ: وكيف تكونان خير مني وزوجي محمد وأبي هارون، وعمي موسى» (?).

لقد تأثرت صفية بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصبح صلى الله عليه وسلم أحب إليها من أبيها وزوجها والناس أجمعين، بل أصبح أحب إليها من نفسها، تفديه بكل ما تملك حتى نفسها، وإذا ألم به مرض تمنت أن يكون فيها، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمًا معافى، فقد أخرج ابن سعد -رحمه الله- بإسناد حسن عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه - قال: اجتمع نساؤه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، فقالت صفية رضي الله عنها: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمز بها أزواجه، فأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مضمضن» , فقلن: من أي شيء فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة» (?).

ومما له صلة بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي، حراسة أبي أيوب الأنصاري لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل بصفية، فعن ابن إسحاق أنه قال: ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بخيبر، أو ببعض الطريق .. فبات بها رسول الله في قبة له، وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشحًا سيفه، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطيف بالقبة، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأى مكانه قال: «ما لك يا أبا أيوب؟» قال: يا رسول الله، خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك (?)، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمله الذي ينبئ على غاية الحب، والإيمان، وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني» (?).

وكان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية فيه حكمة عظيمة, فهو لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعًا لغريزة, كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها، وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، وهذا إلى ما فيه من العزاء لها، قد قتل أبوها من قبل, وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول معها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام والانضواء تحت لوائه والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد (?)، وكانت أم المؤمنين صفية عاقلة وحليمة، وصادقة, يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا فأنا أصلها، فقبل منها، ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، فقالت لها: اذهبي فأنت حرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015