بالأسباب والنتائج، وأن التسليم لأمر الله ورسوله فيه كل الخير لهم ولدعوة الإسلام (?).
كان حديث القرآن الكريم عن هذا الحدث العظيم في سورة الفتح، وكان القرآن الكريم له منهجه الخاص في عرضه لغزوة الحديبية, فنجد في حديثه عن هذه الغزوة أنه سمى الصلح الذي وقع بين الفريقين مع عدم وقوع القتال فتحًا مبينًا.
إننا بالتأمل في أسباب النزول نجد أن سورة الفتح نزلت بعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من الصلح وهو عائد إلى المدينة النبوية، وبعد أن خاض النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون تلك التجارب العظيمة من الأمل في العمرة، إلى مواجهة المشركين، إلى بيعة الرضوان, إلى الصلح الذي لم يكن بعض الصحابة راضين عنه ودارت في أنفسهم أشياء كثيرة حول هذه الأحداث الجسام.
ينزل القرآن الكريم ويبين للمسلمين بأن هذا الصلح هو فتح مبين، ويؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على صواب في قبول الصلح، بل لتزداد ثقة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم حين يبشره الله على الملأ من الدنيا بأن الله تعالى فتح بالصلح ليغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كرامة منه سبحانه لرسوله؛ ليزداد المسلمون ثقة واطمئنانًا بأنهم على الصواب، وأن ما فعلوه هو الحق ومآله السعادة، ثم بين سبحانه أن توفيق الله كان مع المؤمنين فهو الذي وفقهم للصبر مع رسوله, وموافقتهم أخيرًا على ما جنح له من أمر الصلح، وأن ذلك كان بسبب إنزال السكينة على قلوبهم حتى على قلوب من أنكر بعض شروط الصلح، واستسلم للأمر على مضض, فلم يحصل رفض لهذا الصلح بل كلهم نزلوا على أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بفضل السكينة التي أنزلها عليهم, قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح: 4].
فالقرآن الكريم يبين أن الله هو الذي أنزل السكينة عليهم ليتذكروا فضله، ويداوموا على شكره، وهذا الإعلام بإنزال السكينة مما يتميز به حديث القرآن الكريم عن هذه الغزوة، إذ السكينة أمر معنوي لا يعلم نزوله إلا الله، وأشار القرآن الكريم إلى بيعة الرضوان وهي مبايعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم على الموت, فأثنى الله سبحانه وتعالى على هذه البيعة، وكتب لها الخلود في القرآن، وقرر أنها مبايعة لله عز وجل, فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].
وبهذا نرى ما يتميز به القرآن الكريم في حديثه عن الغزوات فهو يبين الحقائق ويصحح العقائد، ويربي النفوس، ويفضح المنافقين، ويبشر المسلمين بغنائم قريبة تحققت في خيبر، وبين أصحاب الأعذار, فليس كل من تخلف عن الجهاد يعاتب وإنما هناك استثناء، وهذا من كمال رحمته الإلهية، ثم لما تم صلح الحديبية وعاد المسلمون إلى المدينة ولم يتحقق ما