معارضة لهذه الاتفاقية وانتقادًا لها، عمر بن الخطاب، وأسيد بن حضير سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج.
وقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله معلنًا معارضته لهذه الاتفاقية، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست برسول الله؟ قال: «بلى» قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: «بلى» قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: «بلى» قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: «إني رسول الله ولست أعصيه» (?). وفي رواية: «أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني» (?) , قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟» قلت: لا، قال: «فإنك آتيه ومطوف به». قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر ناصحًا الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة: الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر الله ولن يضيعه الله (?).
وبعد حادثة أبي جندل المؤلمة المؤثرة عاد الصحابة إلى تجديد المعارضة للصلح، وذهبت مجموعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عمر بن الخطاب لمراجعته، وإعلان معارضتهم مجددًا للصلح إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بما أعطاه الله من صبر وحكمة وحلم وقوة حجة استطاع أن يقنع المعارضين بوجاهة الصلح، وأنه في صالح المسلمين، وأنه نصر لهم (?) وأن الله سيجعل للمستضعفين من أمثال أبي جندل فرجًا ومخرجًا، وقد تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع قاعدة احترام المعارضة النزيهة، حيث قرر ذلك بقوله وفعله، وهو -والله أعلم- إنما أراد بهذا الفعل إرشاد القادة من بعده إلى احترام المعارضة النزيهة التي تصدر من أتباعهم، وذلك بتشجيع الأتباع على إبداء الآراء السليمة التي تخدم المصلحة العامة (?).
وهذا الهدي النبوي الكريم بيًّن أن حرية الرأي مكفولة في المجتمع الإسلامي، وأن للفرد في المجتمع المسلم الحرية في التعبير عن رأيه، ولو كان هذا الرأي نقدًا لموقف حاكم من الحكام, أو خليفة من الخلفاء، فمن حق الفرد المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من الأمن والأمان دون إرهاب أو تسلط يخنق حرية الكلمة والفكر.